الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  مخرجون وممثلون    
فرونسوا تروفو

  فرونسوا تروفو   

فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" أكيد أن "فرنسوا تروفو" لم يكن يعرف هاته الآية القرآنية ، بل ما كان يعرفه جيدا هو عمل أفلام عبقرية شاهدها شاب من بعد ثلاثين سنة على وفاته و أُغرم بها و بمخرجها في ظل ما تعرفه السينما اليوم من تجارة للصورة و كسل الجمهور للذهاب لقاعات السينما أو حتى عناء البحث عن مادة جيدة للمشاهدة في مقابل ما يروَّج له من صور مؤذية لذوقه .
لا يمكننا الحديث عن "تروفو" دون ذكر "دفاتر السينما" اول مجلة عمل بهيئة تحريرها تحت رئاسة "أندري بازان" الأب الروحي لما يعرف ب"الموجة الجديدة" كتب لها العديد من المقالات النقدية منتقدا السينما السائدة في فرنسا آنذاك، لم يدرس "تروفو" السينما اكاديميا بل هو مجرد "سينيفيلي" عشق السينما حدّ قضائه جلّ وقت فراغه مشاهدا لآلاف الافلام، ليتحوّل هذا الشاب الشغوف بالفن السابع إلى ناقد سينمائي ثائر على القوالب الكلاسيكية للسينما الفرنسية و صناعة الافلام ككل؛ لحد منعه من دخول مهرجان (كان) بسبب نقده اللاذع.
 بعدها عاد لمهرجان (كان) بفيلم "400 ضربة" و الذي هو بمثابة سيرة ذاتية لمرحلة الطفولة التي لم تكن سهلة بالنسبة له، حصل به على جائزة أحسن مخرج عام 1959 من مهرجان كان كما لقي إستحسان الجمهور عند عرضه. "تروفو" الذي كان "حفار قبور في السينما الفرنسية" إبّان الفترة النقدية في "دفاتر السينما"، أصبح نحّات الروائع في السينما الفرنسية واضعا أول لبنة في ما سمي ب "الموجة الجديدة"، و احد روّادها و المدافعين عنها رفقة "غودار" و "شابرول"، السينما التي إتسمت بالواقعية و الخروج من الإستديوهات إلى الشوارع العامة و الإضاءة الطبيعية و إستغنائها عن الاجهزة و الكاميرات الثقيلة مقابل الكاميرات الخفيفة المحمولة على الكتف "16مم" واضعة أسس مغايرة لمفاهيم المونتاج عند المخرجان السوفياتيان "إيزنشتاين" و "بودفكين" معتمدة على اللقطات الطويلة مبتعدة عن القطع و المونتاج قدر المستطاع.
 لم تقتصر أفلام "تروفو" على السيرة الذاتية و حسب، بل صاحب ذلك قصص حبّ جاءت مختلفة عن القصص المعهودة و النهايات السعيدة كمثال فيلم "جول و جيم" بطولة "جان مورو" و المقتبس عن رواية للكاتب "هنري بيير روشيه"، و الذي يروي قصة شابين أحدهما فرنسي و الآخر نمساوي التقيا في باريس في عام 1912 وأصبحا صديقي العمر علّم كل منهما الآخر لغته و ترجما الشعر، سرعان ما إلتقيا بكاثرين "جان مورو" و التي كانت يائسة من حياتها يظهر هذا جليا في أحد المشاهد من خلال جملة لكاثرين:
من قبل كنت هكذا. (و عبرت بملامح وجهها عن الحزن)
 لكن الآن أصبحت هكذا (راسمة بسمة على فمها)
كاثرين التي وقعت في حب الشابين كل على حدة و التي لم تستسيغ زواج "جولي" من صديقة له، فانتحرت برفقته سائقة سيارتها رامية بها من على جسر مهدَّم، نهاية مأساوية بالنسبة للمشاهد لكنها اكثر صواب بالنسبة للشخصية المضطربة نفسيا التي لم ترد لهذا الحب الثّلاثي ان ينقص أو يتجزّأ.
عشق "تروفو" السينما وكان يقول : "أعمل افلامي لكي أحقّق تلك الأحلام التي راودتني في فترة المراهقة، ولكي أُسعِد نفسي، والآخرين أيضا، إن كان ذلك ممكنا "، لقد نجح في ذلك و أصبح أسطورة فرنسا السينمائية على الرغم من مرور ثلاثين عاما على وفاته؛ لا يزال يشغل القلوب والاذهان باعتباره أحد أفضل المخرجين الذين أنجبتهم فرنسا ضمن مجموعة " الموجة الجديدة " في أواخر الخمسينيات.

سعد الضميري